الأحد، 6 يوليو 2014

تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ

تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ
«تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ في مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ، كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ في مَحَلَّهَا (أَوَانِهَا)» (أم 25: 11)
يا لروعة ويا لجمال الصورة التي يرسمها أمامنا الروح القدس في أمثال 25: 11، حيث يُشَبِّه الحكيم الكلمة التي تُقال في أَوَانِهَا وفي مَحَلَّهَا بالتفاح الشهي الجميل، الأصفر كالذهب، المُقدَّم على طبقٍ من فِضَّةٍ! وهذه الصورة لا تجد إتمامها واكتمالها إلا في شخص الرب يسوع المسيح، ذاك المجيد الفريد الذي هو موضوع الكتاب المقدس كله.
فالرب يسوع المسيح هو الكَلِمَة المتجسد..
وهو الكَلِمَة التي قيلت في أَوَانِها..
وهو مِثْلُ تُفَّاحٌ شَهي..
وهو مِثْلُ تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ..
وهو مِثْلُ تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ مُقَدَّمٌ في مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ..
1
- الكلمة المتجسد:
الكلمة
أحد الأسماء الرائعة لربنا المعبود، والتي تُظهر لاهوته، ويرد أربع مرات في الوحي المقدس، كلها في الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا (يو1: 1، 14).
و«الكلمة» هو الأقنوم المُعبِّر عن الله وعن فكر الله، ولا يمكن أن نعرف الله إلا بواسطته؛
فقد عبَّر في الخليقة عن حكمة الله وقوته ومجده

وعبَّر في الفداء عن محبة الله وبره 
وسيُعبَّر في الدينونة عن قداسة الله وعدله وغضبه.
ويا لجمال وإبداع إنجيل يوحنا، إنجيل الكلمة المتجسد، الذي يُفتتح باسم المسيح باعتباره الكلمة «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّه
َ.... وَﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً» (يو1: 1، 14).
إن الرب يسوع المسيح هو الله، كما أن الآب هو الله، والروح القدس هو الله، ولكن لا يُقال عن الآب إنه الكلمة ولا عن الروح القدس. فيسوع المسيح ابن الله، هو وحده الكلمة. إن أقنومي الآب والروح القدس قد بقيا في جلالهما غير المنظور، أما الكلمة فقد أعلن الله إعلانًا كاملاً.
وليس معنى ذلك أنه صار «الكلمة» عندما أتى إلى هذا العالم فقط، ولكن « فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ». ففي الوقت الذي لم تكن فيه خليقة، وقبل أن يتكوَّن شيء مما هو كائن « كَانَ الْكَلِمَةُ»؛ هذا هو
وجوده الأزلي«وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ (أي معه)» فالكلمة كان له وجوده الشخصي وشخصيته المتميزة قبل وجود أي كائن أو مخلوق. « وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ»، فهو الله في جوهر لاهوته الشخصي. «هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ» فهو وحده كان عند الله في رفقة متميزة مع الآب والروح القدس.
«وَﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا»... وإنها لَحقيقة رائعة تلك التي يعلنها لنا الوحي في هذه العبارة القصيرة! فالذي كان قبل أن يكون زمان، الذي بأمره دارت عجلة الزمن، الذي جعل الكون ينبض بالحياة، الأزلي في جوهر ذاته وفي جوهر لاهوته وفى علاقاته الأقنومية، الذي هو بهاء مجد الله ورسم جوهره، الكلمة الأزلي الأبدي؛ «صَارَ جَسَدًا». لقد اتخذ «الكلمة» الجسد مسكنًا له «وَحَلَّ بَيْنَنَا» مشتركًا معنا في اللحم والدم، حتى يستطيع أن يقترب إلينا دون أن يُرعبنا (أي13: 20،21؛ 33: 6)، وهذا ما يملأ نفوسنا بالإعجاب والتعبد.
وتبارك اسم إلهنا الذي «صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا ... مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً» لأن«النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ ... َبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا» (يو 1: 14، 17).
إن «الحق» بنوره الكشاف يكشف للإنسان ماهيته ومصيره، ويظهرهما واضحين. و«النعمة» تقف شاهدة له بأنه، رغم كل الشر الذي عاشه، وعلى حساب استحقاقات شخص آخر – الرب يسوع المسيح – يمكن أن تكون البركة الأبدية من نصيبه.
«الحق»
يُشخِّص الداء، و«النعمة» تُقدِّم الدواء.
«الحق»
يُظهر حقيقة الإنسان، و«النعمة» تُعالج تلك الحالة التي أظهرها الحق.
«الحق»
يضع الخاطئ في مركزه الصحيح، و«النعمة» تأتي بالله إليه.
و«الحق» الذي يُبين ويُقرر مطاليب الله،
يزداد بهاءً ولمعانًا لارتباطه بالنعمة.
و«النعمة» التي تسدد إعواز الخاطئ
يزيدها جمالاً أنها مرتكزة على الحق.
فيا لبهاء مجد ربنا يسوع المسيح الشخصي!!
ويا لبهاء مجد خدمته وعمله!!
2
- الكلمة التي قيلت في أوَانِهَا:
لقد صار «الكلمة» جسدًا، فكانت الحادثة في ذاتها
ترجمة“ لغة السماء إلى لغة الأرض. لقد أخذ الله الكلمة جسدًا إنسانيًا ليُعلن لنا الله، وجاء ابن الله لكي يُخبر عن الآب «اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو 1: 18).
«اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ».. هذا معناه بكل بساطة أنه الوحيد الذي له فكر الآب، الوحيد الذي يستطيع أن يتكلم بما رأى ويشهد بم يعرف (يو3: 11) لأنه «لاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الاِبْنُ وَمَنْ أَرَادَ الاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ» (مت11: 27؛ لو10: 22).
ويا لروعة استهلال رسالة العبرانيين «اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ» (عب1: 1،2).
لقد تكلَّم الله قديمًا «بالأنبياء» -أي بواسطتهم- وتكلَّم «بطُرُق كثيرةٍ»: بالأحلام، بالرؤى، بالرموز، بالشرائع، بالفرائض، بالذبائح،... إلخ. وتكلَّم «بأنواع كثيرة» أي ”بأجزاء كثيرة“، فقد كان يستحيل إعطاء إعلان كلي وكامل قبل مجيء ذاك الذي فيه تتبلور كل الإعلانات، والذي فيه يتجسد كل ما هو الله.
أما الآن «في هذه الأيام الأخيرة» أي ”في آخر أيام الأنبياء“، فقد كلَّمنا الله «في ابنه». ليس ”به“ بل «فيه»؛ أي في شخصه الكريم بكل كيانه: قولاً وفعلاً وحياة. لقد انتهى وقت الإعلانات الجزئية الناقصة الوقتية، وصار الله يكلمنا بطريقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة